أبحاث تقنية

دور الابتكار في قيادة اقتصاد الفضاء الجديد جميل قعوار، نائب رئيس شركة «ICEYE» لصناعة الأقمار الاصطناعية، عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مع اقتراب شهر الابتكار في دولة الإمارات العربية المتحدة من نهايته، يبدو الوقت مناسباً لإلقاء نظرة على بعض التطورات التكنولوجية في قطاع الفضاء الجديد. وتحتل دولة الإمارات العربية المتحدة مكانة رائدة في اقتصاد الفضاء الجديد، حيث تتطلع بشكل متزايد إلى هذا القطاع لفتح فرص اقتصادية جديدة ودفع عجلة النمو. وتعد الأقمار الصناعية لرصد الأرض من الأهم في استراتيجيتها، ومن المتوقع أن ينمو السوق المحلي لهذه التكنولوجيا بمعدل سنوي مركب يبلغ 8.55% في السنوات الخمس المقبلة. يعد الابتكار في سوق الأقمار الصناعية أمرًا أساسيًا لهذا النمو، وقد ساهمت التطورات الحديثة كثيرًا في تحويل مراقبة الأرض إلى فرصة سوقية كبيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
رؤية أكثر وضوحاً للأرض
يبدو أن التغيير الأساسي في الأقمار الصناعية الحديثة هو أنها أصبحت أفضل بكثير في التقاط صور للأرض، والمعيار الذهبي لتصوير الأقمار الصناعية هو أقمار رادار الفتحة الاصطناعية (SAR). في حين أن الأقمار الصناعية التقليدية تعتمد عادة على أجهزة الاستشعار البصرية والأشعة تحت الحمراء وتعمل أقمار البحث والإنقاذ (SAR) من خلال انعكاس أشعة رادارية قوية على سطح الأرض من مسافة حوالي 550 كيلومترًا في الفضاء حيث ترتد هذه الحزم إلى الأقمار الصناعية لتكوين صورة دقيقة للغاية لما يحدث على الأرض بالأسفل.
ما يعنيه هذا عمليًا هو أن أقمار SAR قادرة على تسجيل صور واضحة للمنطقة أثناء الليل والنهار وكذلك في أي ظروف جوية وتتيح هذه التقنية للمستخدمين الرؤية من خلال السحاب والدخان والعوامل البيئية الأخرى التي كانت تجعل صور الأقمار الصناعية غير قابلة للاستخدام في السابق.
أصغر حجماً وبقوة أكبر
إن إحدى عيوب أقمار SAR التقليدية هي أنها كبيرة جدًا وتحمل هوائيات هائلة، ونتيجة لذلك فقد افتقرت إلى المرونة ولم تكن قادرة إلا على تكرار عدد محدود من الزيارات. في السنوات الأخيرة ظهر شكل جديد وهو أحدث جيل من أقمار SAR الذي يـأتي بحجم صغير وسرعة حركة كبيرة للغاية، وبالتالي فهو قادر على إعادة زيارة نفس الموقع على الأرض يوميًا وحتى عدة مرات خلال يوم واحد، مؤدياً إلى الانتقال لمستوى جديد تمامًا في اكتشاف التغيير، حيث أصبحت الوكالات الحكومية والمؤسسات التجارية على حد سواء قادرة الآن على الحصول على البيانات في أي مكان وأي وقت يحتاجون إليها فيه وبدقة عالية جدًا وتكرارات عالية للزيارة.
يستخدم أحدث جيل من أقمار SAR تصميمًا مبتكرًا للهوائي يفتح المجال أمام مجموعة غير مسبوقة من الأساليب التشغيلية وأنماط التصوير، وعلى وجه التحديد يتيح التصميم فترات زمنية طويلة للتصوير بدقة عالية للغاية ويتيح القدرة لمناورة الهوائي بمرونة أكبر ومسح شعاع الرادار عبر مناطق واسعة. وهذا يعني أنه يمكن تصميم أوضاع التصوير وفقًا لاحتياجات المستخدم، وعلى سبيل المثال يمكن للأقمار الصناعية مراقبة مناطق ضخمة تبلغ عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة أو تكبير المناطق المطلوبة بدقة عالية – وصولاً إلى سنتيمترات.
انخفاض التكاليف يفتح آفاقا جديدة
كما ذكرنا سابقًا، تتطلب مهام الأقمار الصناعية التقليدية للبحث والإنقاذ منصات كبيرة ومكلفة تحمل حمولات ضخمة، ومن ناحية أخرى يستخدم الجيل الأحدث مستشعرًا مصغرًا نشط الطور مثبتًا على منصة أقمار صناعية أصغر بكثير ونتيجة لذلك، فإن تصميم هذه الأقمار الصناعية الجديدة منخفض التكلفة.
وهذا أمر مهم لأن التكلفة المنخفضة بالإضافة إلى السهولة النسبية لإرسال أقمار صناعية أصغر إلى الفضاء تعني أنه أصبح من الممكن الآن تشكيل مجموعات أكبر بكثير من الأقمار الصناعية مما يعني تشكيل شبكات كبيرة من الأقمار الصناعية لأول مرة على الإطلاق، أصبح من الممكن الآن مراقبة المنطقة محل الاهتمام باستمرار كل 24 ساعة. ونتيجة لذلك، يمكن للوكالات الحكومية والشركات الاستفادة من حالات الاستخدام الجديدة المهمة لمراقبة الأرض.
على سبيل المثال باستخدام تقنيات الكشف عن التغيير يمكن للمستخدمين الآن تحديد التغيرات الأرضية الدقيقة للغاية كل 24 ساعة بما في ذلك أشياء مثل حركة السيارة على طول المسار أو تدفق الحمم البركانية أثناء ثوران البركان، وتحتوي كل صورة في المجموعة على نفس الشكل الهندسي والإشعاع والطور مما يتيح اكتشاف التغيير على مستوى السنتيمترات.
وضع الابتكار في مجال الأقمار الصناعية في حيز الاستخدام في دولة الإمارات العربية المتحدة
ومع قيام دولة الإمارات العربية المتحدة حاليًا باستكشاف مجموعة واسعة من الخيارات لاستغلال اقتصاد الفضاء الجديد، فإن أحدث جيل من الأقمار الصناعية SAR لديه الكثير ليقدمه في السياق نفسه. من مراقبة الحدود والموانئ إلى مراقبة الأنشطة البحرية ورسم خرائط الانسكابات النفطية في الوقت الفعلي يمكن أن تساعد الابتكارات في تقنيات الأقمار الصناعية دولة الإمارات العربية المتحدة على حماية مواطنيها ومصالحها الوطنية وبيئتها المحلية، وفي الوقت الذي يحتفل فيه الإماراتيون بالابتكار بجميع أشكاله ينبغي لنا أن ننتهز الفرصة للتطلع إلى النجوم. إن هذا المجال الاقتصادي الجديد يَعِد بالكثير، والإبداع التكنولوجي هو الوسيلة الوحيدة المؤكدة لتحقيق هذه التطلعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى